فنجان قهوة في ساعات متأخرة من الليل
لن ترى الليلة حلما في المنام ، كالذي عشته
مستيقظا مع شمعة قديمة كادت تنقضي لولا وفاؤها لك
بالسهر حتى نهايتك ، وعلى
طاولة تآكلت أطرافها و تهشمت أرجلها تكاد تسقط بمجرد الاتكاء عليها ، فقط تكتفي
بيد واحدة و قلم و بضع أوراق و فنجان قهوة سوداء لا زال بخارها يتصاعد مع
نور الشمعة و رائحتها تنفح أنفك و تسيل لهب فمك ، لكن الفنجان كان على وشك نهايته
هو الآخر ، و بالوفاء ظل قسط منه يستمع إلى أنين الليل و كلمات الظلام و صوت
أقلامي تُطَقْطِقُ على أوراق شفافة ، لكنها تصطدم بكبرياء الطاولة المتآكلة التي
تأبى أن تسمع من حولها ذلك الصوت المؤثر المتزامن مع هبوب نسيم عليل مر من
شقاق كان بالنافذة الأمامية للحجرة ، وكانت تُطِل على زقاق الدرب النائم أناسه حتى
الآن لكنه يملأها الأطفال النهار كلَّه بصراخهم و لعبهم ، بينما الهدوء يسود
في الساعات المتأخرة من الليل ، ليمر الهدوء مع النسيم إلى الحجرة و يمتزج برائحة
القهوة و ضوء الشمعة الخافت ، ليُحِسَّك بأمان الليل و براءته ، بعظمة الظلام و
حشمته ، و احترام الشمعة ووفاءها ، و كبرياء الطاولة و صلابتها ، وسخاء الفنجان و
عطاءه ، و شجاعة القلم وبسالته … كلهم كانوا في الموعد ودون اتفاق مسبق حضروا ،
ليشعروك أنك لست وحدك ، بل أنك وحدك من يعيش الحلم مستيقظا معهم ، ووفروا لك جو
الكتابة و القراءة ، لتقول ما خالج صدرك ، و ما اختفى في عُمقك و ارتمى في قفة
اللاشعور ، آن الأوان لتشعر من جديد ، وتحيى مرة أخرى عالمك الافتراضي ، فلا تجعل
نفسك سجن لأفكارك ، و دعها تسرح و تأخذ مكانها في ساحة الفكر ، لتعرض نفسها
أمام الأفكار المختلفة ، و تتكيف معها بالوجه الذي يحفظ بقاءها . هنا تتعلم كيف
تفكر و متى يكون الفكر صافيّ و نقي، لا تشوبه شوائب ، فقط ما عليك هو ألا تنسي
أصدقاء الليلة …!!!!
عبد
الصمد الدفالي
قهوة الصباح في زاكورة
Reviewed by zagora plus+
on
06:02:00
Rating:
Aucun commentaire: